إعداد : كمال غزال |
إن الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم لفترات طويلة أو الذين يؤدون مهام متكررة يمكن أن يجدوا أنفسهم فجأة عرضة للهلوسات التي تشبه ما يحدث في الظواهر الماورائية. ومن أكثرها شيوعاً هو الظهور المفاجئ لـ " شركاء طيفيون " أو حتى متجسدين بوضوح ويمكن أن يصاحب ذلك سماع أصوات أو لمسات لطيفة أو شم روائح أو حتى تذوق .
الأسباب
لطالما أدرك الباحثون الفيزيائيون دور الحرمان الحسي في الماروائيات ، إذ بينت التجارب في المختبرات أن حرمان أو إضعاف حواس الإنسان كحاسة البصر والسمع يساهم في تعزيز القدرات النفسانية التي توصف بأنها "خارقة". وفي تجارب (غانزفيلد) استخدم شكل خفيف من الحرمان الحسي وأسفرت عن نتائج "إيجابية" لا يستهان بها في اختبارات متعلقة بالمدركات الحسية الفائقة ESP أو ما يسمى بـ " الحاسة السادسة " .
للحرمان الحسي أيضاً قدرة على توليد معلومات حسية زائفة ( خاطئة ) تشبه ما يرد في وقائع التجارب الماورائية وذلك عندما يكون الشخص معزولاً عن الآخرين ، وتعتبر حالة " الإحساس بوجود أحد " والتي نوقشت في مقال سابق من هذه السلسة شكلاً خفيفاً من إضعاف الحواس ، بينما يعتبر الشكل الأشد منه هو ردة الفعل التي تظهر بشكل هلوسات وهلوسات مضللة (هلوسات يدرك الشخص أنها غير حقيقية).
ويمكن أن تأتي الهلوسات بمجال واسع من الأشكال المتباينة في شدتها ، إذ يمكن أن تكون سمعية أو لمسية أو بصرية أو شمية أو خليطاً منها، ويمكن أن تكون ناجمة عن جملة واسعة من الظروف وليس فقط بسبب الحرمان الحسي وحده ، فقد تكون ناجمة عن المخدرات أو المرض (سواء أكان عضوياً أو نفسياً ) وما إلى ذلك ، ولن يناقش هذا المقال الأسباب الأخيرة المذكورة.
ويمكن للحرمان الحسي الذي يتخذ شكلاً من الشعور بالوحدة ، الجوع ، التعب ، الأعمال الروتينية أو المرض أن يؤدي إلى حالات مغايرة من الوعي بحيث تبدو معها أحلام اليقظة والهلوسات حقيقية جداً في الواقع ، ويمكن أن تقود ظروف العزلة التامة أو الحرمان الحسي الكامل إلى هلوسات أكثر شدة وعدداً وتنطوي على مشاهدة أضواء وماضة أو رؤية مشهد كامل ومتخيل لمنظر طبيعي أو حضور واختفاء أناس طيفيون أو كائنات خارقة للطبيعة .
وقد استفادت بعض الديانات من فكرة الحرمان الحسي بغية إحداث ظاهرة ماورائية أو خارقة ، على سبيل المثال يمكن لظروف العزل الإجتماعي (مثل حالة الرهبان والنساك) ، والتجويع والقيام بأمور متكررة ( الهتاف ، الصلوات الطقسية ، التعداد ) أو الرقص الإيقاعي أو التأمل أن يُحدث حالات مغايرة من الوعي أو الإدراك يصدق فيها الشخص أن ما يحصل معه هو " تجربة إلهية " .
صلة بالماورائيات
تعتبر الهلوسات المضللة أثراً جانبياً شائعاً من حالة الحرمان الحسي خصوصاً إن كانت مترافقة مع التعب ، أو تحدث للأشخاص الذين يقضون فترات طويلة من الزمن لوحدهم مثل الغواصين في أعماق سحيقة من البحار أو المستكشفين أو السائقين لمسافات طويلة أو الرهائن المحتجزين أو متسلقي الجبال أو راكبي اليخوت ، إذ تجد نسبة كبيرة من الأمور الماروائية التي تحصل لأولئك الأفراد المتواجدين لوحدهم.
السائقون بمفردهم عرضة لتلك الهلوسات على وجه خاص حيث يوجد مجال واسع من الظواهر له علاقة بالسائقين الذين يقودون شاحناتهم أوسياراتهم ليلاً بمفردهم ومنها ظاهرة الأشباح والإختطاف من قبل المخلوقات على سبيل المثال لا الحصر.
والذين يمشون بمفردهم يبلغون أيضاً عن مشاهدتهم لـ أشباح كلاب سوداء ، أو سيدات متشحات بالبياض وغيرها من الأشباح ، ويجد أحياناً متسلقي الجبال والغواصين وراكبي اليخوت والمستكشفين والرهائن المحتجزين أنفسهم برفقة شركاء متجسدين بشكل واضح جداً رغم علمهم بعدم وجودهم في الحقيقة.
أمثلة
- " كان ( جوشوا سلوكوم ) بحاراً يسافر لوحده ، وفي إحدى المرات كان يبحر فأصيب بدوار البحر في منتصف طريق رحلته في شمال المحيط الأطلسي ولم يكن بوسعه أن يترك حجرة القيادة لعدة ساعات ، وعندما هبت العاصفة ظهر له شبح ربان وأخذ منه دفة القيادة ، وجرت محادثة طويلة بين (سلوكوم) وهذا الشبح الذي أخبره بأنه كابتن إحدى سفن (كريستوفر كولومبوس) مكتشف القارة الأمريكية في عام 1492 ".
- كان مدرب الغوص (إيان سكينر) يغوص قبالة جزيرة مالطة عندما رأى ضوء أمامه ، ويقول في ذلك : " رأيت ضوء أمامي وكنت أنسحب إليه مدفوعاً بسبب فضولي وكأن قوة مجهولة تدفعني نحوه، وعند الحافة القادمة وبعيداً في الأعماق رأيت امرأة شابة وجميلة جداً ، كانت طويلة ونحيفة وجذابة بقوامها ، كانت تقف عند مدخل كهف كبير ... ظننت أنني أعاني من خدر النتروجين .. ثم قالت لي: " مرحباً .. أنا بانتظارك لا تخف ، أنت في أمان معي ." ، لكنني تراجعت بينما كانت تبتسم ، فمشت نحوي ومسكت يدي ، كانت دافئة وأحسستني بالطمأنينة ، فزال خوفي"، وقالت لي : " عندما تعود إلي سأكون بانتظارك لتبقى معي للأبد ، ولدي هدية لك " ، ثم سلمتني جرة صغيرة تشبه أمفورا (جرة بشكل قارورة ضيقة ) وعندما صعدت للأعلى رأيتها تلوح لي وهي تتلاشى ببطء من المشهد ".
تجارب واقعية
سبق لموقع ما وراء الطبيعة أن نشر تجارب لأشخاص كانوا بمفردهم ليلاً في رحلة سفر وشهدوا أموراً غريبة قد تكون ناجمة عن حالة الحرمان الحسي المذكورة أعلاه ومن تلك التجارب نذكر :
- مواجهة مع شبح على طريق سفر
- مع مجهول في المقعد الخلفي
فتح المندل
هناك ممارسة في المجتمعات العربية ما زالت قائمة وإن بشكل ضيق تدعى فتح المندل يتعرض فيها طفل ( أو غير بالغ ) لظروف الحرمان الحسي بهدف أن يرى ما يتراءى له في فنجان من الحبر السلطاني والزيت ، والسؤال هنا : فهل ما يراه الطفل هلوسات بصرية ناجمة عن ظروف الحرمان الحسي أم أن لها تفسيراً ماورائياً يتدخل فيها الجن بحسب الثقافة الشعبية ؟
يمكنك الإطلاع على فتح المندل ، أو تجربة واقعية عنه.
شاهد الفيديو
مشهد من مسلسل Bell Science العلمي مع د. (فرانك باكستور ) وهو يتحدث عن تجربة في الحرمان الحسي وما يؤدي إليه من حدوث الهلوسات. هذه السلسلة
تتناول الحالات النفسية الشائعة والتي يعزوها بعض الناس إلى أفعال كائنات خارقة للطبيعة بينما تكون أشكالاً من الإضطرابات النفسية التي لها أعراضها وأسبابها بالنسبة لأخصائيي الطب النفسي والعصبي، كما تساهم هذه السلسلة على زيادة فهم وقدرة المحققين في الظواهر الغامضة على التمييز بين تلك الحالات لعزلها عن وقائع الأحداث الغير العادية الاخرى عند دراستهم للتجارب الواقعية.
إقرأ أيضاً ...
- دور العقل في الماورائيات 1 : الحالات النفسية الشائعة
- فتح المندل
- كلاب من عالم الظلام
- المخبرون النفسانيون : الحاسة الزرقاء
- الهلوسة
0 تعليقات:
شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .