الخميس، 28 يونيو 2012

Textual description of firstImageUrl

الروح

إعداد : ياسمين عبد الكريم
الروح عبارة عن مصطلح ذو طابع ديني وفلسفي يختلف تعريفه وتحديد ماهيته في الأديان والفلسفات المختلفة، لكن هناك إجماع على أن الروح عبارة عن "ذات"  قائمة بنفسها وبأن حضورها في الكائن هو ما يميز الحياة فيه كائن حي و ذات طبيعة معنوية غير ملموسة .

والبعض يعتبر الروح مادة أثيرية أصلية من الخصائص الفريدة للكائنات الحية ، واستناداً إلى بعض الديانات والفلسفات فإن الروح مخلوقةً من جنسٍ لا نظير له في عالم الموجودات وهو أساس الإدراك والوعي والشعور.

وتختلف الروح عن النفس بحسب الاعتقادات الدينية فالبعض يرى النفس هي الروح والجسد مجتمعين ويرى البعض الآخر إن النفس قد تكون أو لا تكون خالدة ولكن الروح خالدة حتى بعد موت الجسد.

البعث والتناسخ
تختلف المعتقدات الدينية في المسار الذي تسلكه الروح بعد الموت ففي الأديان السماوية تبقى الروح في عالمها ( البرزخ) إلى حين بعثها مجدداً في جسدها القديم يوم القيامة، ثم تحاسب النفس وترسل لتعاقب في الجحيم أو تثاب في الفردوس الموعودة للمؤمنين ، وبعض الطوائف تؤمن أن الأرواح تلازم أفنية قبورها خلال مكوثها في عالم البرزخ، وقال مجاهد بن جبر وهو أمام وفقيه إسلامي أن الأرواح تكون على أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارق ذلك والله أعلم.

 بينما في بعض الأديان الأخرى تسلك الروح دورة حياة جديدة فتودع في جسد جنين مختلف يخرج إلى الدنيا حتى أنه يمكن أن يكون من طبيعة مختلفة من حيوان أو نبات كما نجد ذلك في معتقدات تناسخ الأرواح التي نراها في الدين الهندوسي، ويمكن لها أن ترتقي في الفردوس العلوي أو ينحط قدرها لتكون في شقاء ومرتبة متدنية من حيوان أو نبات كالزواحف أو الحشرات.

الروح في المعتقدات الدينية

1- في معتقدات قدماء المصريين
كان قدماء المصريين يؤمنون بخلود الروح و بأن روح الإنسان مكونة من 7 أقسام :
- رين : هو مصطلح قديم يعني الاسم الذي يطلق على المولود الجديد.
- سكم :  وتعني حيوية الشمس.
- با،  : وهو كل ما يجعل الإنسان فريدا وهو أشبه بمفهوم شخصية الإنسان.
- كا :  ويمكن أن تمثل النفس أو الروح وهي  القوة الدافعة لحياة الإنسان وحسب الإعتقاد فإن الموت هو نتيجة مفارقتها للجسد وتمثل عادة كطائر ، وعليها أن تعثر على الجسد المتوفى وإلا سيفنى الجسد للأبد ولن يتحقق له الخلود بعد التحنيط.  (كما في الصورة المبينة ).
- آخ : وهو بمثابة الشبح الناتج من اتحاد كا وبا بعد الموت
- آب : وهو "قطرة من قلب الأم".
- شوت أو خيبيت وهو ظل الإنسان .

2-  في المعتقد الهندوسي
يؤمن الهندوسيين بمبدأ التوافق واستمرار تناسخ الأرواح حتى الخلاص وهي ديانة تحرم أكل ذوات الأرواح.

وحسب المعتقد الهندوسي هناك كينونة خالدة للكائنات الحية وهي جيفا Jiva : وتعتبر مرادفة لروح  وليست مرتبطة بالجسد أو أي قيمة أرضية  أي أنها من نسب علوي .

وهناك مصطلح هندوسي أخر ويدعى مايا: وهي شبيه لنفس في بعض الديانات وليست خالدة ولها ارتباط وثيق بالحياة اليومية .

يعتقد الهندوسيين أن الجيفا منذ الأزل تمر في عدة تناسخات وقد تنتقل من المعادن إلى النباتات ثم إلى الحيوانات وتكون الأفعال هي التي تحدد الكائن الأحق الذي ينتقل إليه الجيفا بعد فناء الكائن السابق وتكمن الطريقة الوحيد لتخلص من دورة التناسخات بالوصول لمرحلة موشكا والتي هي شبيهة بمرحلة النيرفانا بالبوذية .

وهناك مصطلح آخر في الهندوس قريب من مفهوم الروح وهي أتمان Atman : وهي الجانب الخفي أو الميتافيزيقي في الإنسان , و يعتبره بعض المدارس الفكرية الهندوسية أساس الكينونة , ويمكن اعتبار أتمان كجزء من البراهما أو جزء من الخالق الأعظم داخل كل إنسان .

هناك اختلاف وجدل عميق بين الهندوسيين أنفسهم حول منشأ وغرض الروح , وينقسمون إلى طائفتان :
1- الموحدون من الهندوس (أدفايدا):  يعتقدون أن الروح ستتحد في النهاية مع الخالق الأعظم.

2- غير الموحدون من الهندوس (دفايتا): الروح لا صلة له على الإطلاق بالخالق الأعظم  وأن الخالق لم يخلق الروح ولكن الروح تعتمد على وجود الخالق.

3- في المعتقد البوذي
في العقيدة البوذية يكون كل شيء في حالة حركة مستمرة وإن الاعتقاد بان هناك كينونة ثابتة أو خالدة على هيئة الروح هو عبارة عن وهم يؤدي بالإنسان إلى صراع داخلي واجتماعي وسياسي.

ويقسم البوذيين الكائنات الحية إلى خمسة مفاهيم :

1- الهيئة الجسمانية.

2- الحواس.

3- الإدراك.

4- الضمير.

5- الكارما أو الأفعال .

وهذه الأجزاء الخمسة يمكن اعتبارها مرادفة لمفهوم الروح وعليه فإن الإنسان هو مجرد اتحاد زمني طارئ لهذه المفاهيم , وإنه من الخطأ التصور بوجود "أنا ذاتية"، وجعلها أساس جميع الموجودات التي تؤلف الكون فالهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كَسر دورة الحياة والانبعاث، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها. وبما أن الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم به الأشخاص، فلا خلاص للكائن ما دامت الكارما موجودة .

عند وفاة الإنسان فإن الجسد ينفصل عن الحواس، الإدراك، الكارما والضمير وإذا كانت هناك بقايا من عواقب أو صفات سيئة في هذه الأجزاء المنفصلة عن الجسد فإنها تبدأ رحلة للبحث عن جسد لتتمكن من الوصول إلى التحرر التام عبر كَسر دورة الحياة والانبعاث وحالة التيقظ التي تخمُد معها نيران العوامل التي تسبب الآلام كالشهوة ,الحقد والجهل, ويسمي البوذيون هذا الهدف النيرفانا .

4- في المعتقد اليهودي
لا يوجد في التوراة توصيف دقيق لـ "الروح" ، لكن في سفر التكوين نجد أن الخالق خلق الإنسان من غبار الأرض ثم نفخ في انف الإنسان ليصبح مخلوقا حياً .

وقد أنقسم إيمان اليهود إلى قسمين:

- الفريسيون الذين يؤمنون بالروح والقيامة والملائكة .

- الصديقيون الذين لا يؤمنون بالروح ولا القيامة ولا الملائكة .

وقال الفيلسوف اليهودي سعيد ابن يوسف الفيومي :  " أن الروح هي ذلك الجزء من الإنسان المسؤول عن التفكير والرغبة والعاطفة " ،  وهناك تشابه كبير بين هذا الوصف وتقسيم فرويد للاوعي الذي أنقسم إلى الأنا السفلى والذات والأنا العليا واستنادا إلى كتاب كابالا المفسر لكتاب التوراة فإن الروح تنقسم إلى ثلاث أقسام :

- نفيش : الطبقة السفلى من الروح وترتبط بغرائز الإنسان الجسدية وهو موجود من لحظة الولادة .

- روخ : الطبقة الوسطى من الروح والمسؤولة عن التمييز بين الخير والشر وتنظيم المبادئ الأخلاقية.

- نيشامه : هي الطبقة العليا من الروح المسؤولة عن تميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية .

ويعتقد اغلب اليهود أن أرواحهم تتميز عن باقي الأرواح وذلك لأنها جزء من خالقهم مثل الابن جزء من والده وأن الأرواح الغير يهودية هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات كما أنهم يعتقدون بأن الروح مطابقة لصورة الجسد أي أنها تتخذ هيئته .

5-  في المعتقد المسيحي
تعتبر الروح بمثابة الكينونة الخالدة للإنسان وأن الخالق الأعظم بعد وفاة الإنسان إما يكافئ أو يعاقب الروح وقد ذكرت كلمة الروح على لسان المسيح في العهد الجديد من الكتاب المقدس حيث شبهها برداء رائع أروع من كل ما كان يملكه سليمان و يجزم المسيحيين أن الروح خالدة حتى بعد الموت وأن الجسد هو الذي يفنى وقد ورد في الكتاب المقدس :

" الروح هو الذي يحيي أما الجسد فلا يفيد شيئًا ،  الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة "  (يوحنا 11-13)

" لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم "  ( أنجيل متى 28:10-  أنجيل لوقا 5,4:12 ).

" من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية " (رسائل بولس 8:6 )

- وهناك جدل كما في باقي الأديان عن ماهية الروح فالبعض يعتقد إنها موجودة قبل ولادة الإنسان وعند الولادة يقوم الخالق بإعطاء الروح إلى الجسد بينما يعتقد البعض الآخر أن روح الإنسان تنتقل كمزيج من روح الوالدين وأن آدم هو الشخص الوحيد الذي خلقت روحة مباشرة من الخالق.

لكن هناك أجماع في المسيحية وهو أن الوصول لمعرفة ماهية الروح من الأمور المستحيلة.

- وقد قال المفكر المسيحي (أورليس) أن الروح عبارة عن مادة خاصة وفريدة غرضها التحكم في الجسد .

- ويرى طائفة شهود يهوه أن الروح مطابقة لكلمة نفيش العبرية والتي حسب تصور الجماعة مشتقة من التنفس أي أن نفخ الخالق للروح في جسم أي كائن يجعل هذا الكائن متنفساً.

- وهناك بعض من الناس ممن يعتقد إن الروح تذهب إلى حالة من السبات لحين يوم الحساب.

6-  في المعتقد الإسلامي
تنسب الروح إلى ذات " الله"  العليا وهي جسم نوراني أو طاقة عليا ويعتقد البعض أنها خالدة وهي أمر الله الذي يبث الحياة في الجسد بينما يعتقد آخرون أن الروح تموت وتذوق الموت لأنها نفس وكل نفس ذائقة الموت.

لكن هناك خلاف حول طبيعة الروح والنفس فهي علاقة معقدة فكثير ما يدخلها الغلط والخلط ويشار أحياناً إلى الروح على أنها نفس مما يسبب غموض فهناك من يعتقد أن الروح هي النفس وهناك من يعتقد أن الروح مختلفة عن النفس ويعرف ابن تيمية الروح بقوله أنها الروح المدبرة للبدن التي تفارقه بالموت وهي الروح المنفوخة فيه ، وهي النفس التي تفارقه بالموت.

- وقد أتفق أجماع العلماء على أن الروح من عالم الأمر الذي يتعلق بصفات الله وغير خاضعة للمكان والزمان و الروح تنتمي لهذا العالم وأن النفس هي المسيطرة التي تحث على الخير والشر وهي التي تُعاقب أو تُثاب وأحياناً تطلق النفس على البدن أو على الشخص بحد ذاته.

- وقد ذكرت الروح في القرآن الكريم في عدة مواضع :
" ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً "  (الإسراء –85)

تؤكد هذه الآية صعوبة فهم ماهية الروح على عقول البشر وبأنها أمر يختص به الله وحده.

وعن خلق آدم نجد :
" فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "  (الحجر – 29)  و  (ص - 72 ).
وهنا يتبين أن روح المخلوق هي من روح الله.

وأيضاً :
" ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون
وردت في هذه الآية كلمة روح الله ولا يعرف المقصد الحقيقي منها قال بعض المجتهدين بالتفسير: يقصد روح ذات الله لأن من يأس قد أنكر الله وبهذا يكون قد كفر وقال البعض الأخر أن المقصود من الروح هنا هي الرحمة أو الكلمة .

الروح والنفس
فرق بعض علماء المسلمين بين الروح والنفس وقالوا: بأن الروح هي أمر من الله تعالى ، وهي بمثابة سر الحياة وهي تختلف في ماهيتها عن النفس بينما النفس هي التي تثاب وتعاقب وتتألم وتنقسم إلى 3  أنواع :
1- النفس المطمئنة.
2- النفس اللوامة.
3- النفس الأمّارة.

الروح في الملائكة
تعتبر الملائكة رسل الله وجنده لتنفيذ إرادته في الكون وقد يشار إليها في عدة مواضع من القرآن الكريم بكلمة "الروح" التي قد تعني كياناً منفصلاً او ملكاً من كبار الملائكة ويرجح أنها تشير إلى جبريل الذي قد توكل إليه مهمة نفخ الروح وإيصال رسالة الله إلى الإنبياء كما في الآيات :

" فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا *  قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا *  قال أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا " (مريم – 17 إلى 20)

حيث أتى ملاك لينفخ الروح (يلقي كلمة الله) في رحم  العذراء مريم عليها السلام لكي تصبح حاملاً بالمسيح أو عيسى عليه السلام.

ويفسر بعض العلماء أن كلمة "روحنا " يقصد منها روح الملائكة ، لأن الملائكة هي رسل الله وبأن لها روح ولهذا وصفت بـ "الروح" .
ونجد أيضاً كلمة الروح في الآيات التالية والتي يقصد منها أحد الملائكة الكبار (جبريل):

" نَـزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ " (الشعراء – 193)

" رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ  " (غافر - 15)

" يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا "  (النبأ - 38)

وكما يختص حبريل في نفخ الروح فإن روح سيلفر بيرش

0 تعليقات:

شارك في ساحة النقاش عبر كتابة تعليقك أدناه مع إحترام الرأي الآخر وتجنب : الخروج عن محور الموضوع ، إثارة الكراهية ضد دين أو طائفة أو عرق أو قومية أو تمييز ضد المرأة أو إهانة لرموز دينية أو لتكفير أحد المشاركين أو للنيل والإستهزاء من فكر أو شخص أحدهم أو لغاية إعلانية. إقرأ عن أخطاء التفكير لمزيد من التفاصيل .